العوامل المسببة لظهور صعوبات النطق أو الكلام فهي لا تخرج عن مجموعتين من العوامل أو الأسباب. المجموعة العضوية العصبية، والمجموعة النفسية البيئية. أما عن المجموعة العضوية فهي تتمثل في أية إصابة أو تلف لأحد أعضاء الجسم أو الجهاز العصبي التي تشترك في عملية النطق، مثل الرئتين والحنجرة والأوتار الصوتية والفم بما فيه من الأسنان والأنف ومراكز الكلام في المخ، وكذلك ما قد يصيب حاسة السمع من تضرر، سواء في الأذن كحاسة سمع، أو في المناطق السمعية في المخ، أو في العصب السمعي. فمما لا شك فيه أن إصابة أي من هذه الأعضاء تسبب صعوبة في النطق والكلام.

أما عن المجموعة النفسية البيئية فهي تتمثل بالدرجة الأولى في الأسرة ومتغيراتها وعواملها.

وفيما يلي سنشير إشارة سريعة إلى أهم الجوانب الأسرية التي يمكن أن تكون عاملاً مؤثرًا في نشأة ونمو صعوبات النطق والكلام عند طفل ما قبل المدرسة:

  •  الطموح الزائد عند الآباء فيما يتعلق بأداء أبنائهم وسلوكهم، والتوقع الذي لا يتناسب وإمكانياتهم. فكثيرًا ما يطلب الآباء مستوى معينًا من السلوك الحركي واللفظي والخلقي الذي ينبغي أن يصدر عن الطفل الصغير، هذا التوقع يضع الطفل تحت ضغوط شديدة، فهو حرص على إرضاء الوالدين فإذا كان ما يطلبانه أكثر مما يستطيع، ظهرت عليه بعض الأعراض، يكون في مقدمتها صعوبات النطق، خاصة التهتهة.
  •  يصف الآباء أحيانًا سلوك الطفل الذي يعاني صعوبة في الكلام على نحو يبدو وكأنهم يشخصون حالة، فيقولون إن الطفل مصاب بالتهتهة. وعندما يسمع الطفل هذا الوصف فإنه يستدخل هذا الوصف؛ لأنه لا يملك القدرة التحليلية أو قدرة التكفير النقدي التي يفند بها ما يسمع، بل إنه يسلك على نحو واقعي من حيث إنه مصاب بالتهتهة كما يقول والداه. ولا يحاول في هذه الحالة أن يبذل جهدًا في النطق السليم، بل يستسلم للوصف أو للحكم الذي أصدره والداه عليه.
  •  أحيانًا لا يشجع الآباء الابن على استخدام اللغة. فهما يلبيان طلباته قبل أن يعبر عنها باللغة المنطوقة. وهي صورة من صور الحماية الزائدة التي يفرضها الآباء على أبنائهم. ويدخل في هذا العامل أيضًا أن تكتفي الأم بأن يستخدم الطفل الإشارة، فتجيب له ما يطلبه. وفي هذه الحالات لا يجد الطفل لديه دافعًا للتحدث والتعبير عما يريد باللغة المنطوقة.
  •  من صور الحماية الزائدة أو اللهفة أو في إطار حرص الآباء على التزام الطفل لمعايير السلوك التزامًا دقيقًا نجد أن الآباء – خاصة الأمهات – يعمدون إلى مراقبة الطفل مراقبة دقيقة مستمرة، خاصة عندما يتكلم ليكون حديثه مؤدبًا وألفاظه منتقاة وتعبيراته مهذبة. وحالة المراقبة هذه التي يفرضها الآباء على الطفل عند الحديث عن العوامل المؤثرة في نشأة التهتهة. حتى بعض الأطفال الذين يتحدثون بشكل طبيعي تعتريهم حالة من التهتهة إذا ما أدركوا أنهم موضع مراقبة وملاحظة من الآخرين ممن يكبرونهم كالآباء أو المعلمين.
  •  القسوة الشديدة والعتاب الصارم أو حتى السخرية واللوم والتقريع التي قد يلجأ إليها الوالدان كرد فعل لسلوك الطفل اللفظي كثيرًا ما تكون عاملاً من عوامل إعاقة التعبير اللغوي وظهور التهتهة في حديث الطفل. وكثير من الآباء لا يصبر على ابنه عندما يخطئ في الحديث أو يقول شيئًا غير دقيق أو شيئًا لا يرضون عنه، بل يبادرون برد فعل مؤلم للطفل، مثل العقاب البدني أو التأنيب أو حتى التهديد بالعقاب؛ لأن هذا السلوك الوالدي يعمل كعامل كف للتعبير اللغوي عند الطفل.
  •  فشل الأسرة في أن تكون مصدر الأمن والشعور بالطمأنينة عند الطفل. فالأصل أن الوالدين يمثلان النبع الأصيل للعواطف والمشاعر الإيجابية التي يحتاجها الطفل في نموه الانفعالي والاجتماعي. ولكن يحدث في بعض الحالات خاصة عندما يكون هناك صراع علني أو خفي بين الوالدين – نتيجة لعدم نضجهما العاطفي والاجتماعي – أن يفشلا في توفير الحب المستقر الدائم غير المشروط لطفلهما، بل يحاول كل منهما بطريقته أن يجذب الطفل إلى صفة ضد الطرف الآخر. ويعرف الطفل إلى صفة ضد الطرف الآخر. ويعود الطفل بفطرته أنه إذا انحاز إلى طرف خسر الطرف الآخر؛ مما يوقعه في حالة نم الصراع والحيرة، وهذا الموقف الوالدي لا تقتصر نتائجه على حرمان الطفل من العاطفة الوالديه الإنسانية له فقط، بل إنه يوقع الطفل في حالة من القلق والتشوش تجعله يتعسر في تعبيره اللغوي، ويعاني من التهتهة، وربما غيرها من صعوبات التعلم.

 

ولنا أن نتساءل ونحن نتحدث في هذه المجموعة النفسية البيئية من العوامل المسببة للتهتهة: هل يمكن أن تكون روضة الأطفال عاملاً من عوامل نشأة صعوبات النطق والكلام عند أطفالها؟

والإجابة عن السؤال بنعم. فالروضة بيئة كبيئة المنزل ومكملة له، فهي وسط يتحرك فيه الطفل ويتفاعل مع الآخرين فيه. ويتوقع الطفل أن يجد التقبل والتفهم أو الحفز من المعلمات، كما يتوقع أن يجد متعة في التعامل مع رفاقه. وإذا ما خاب توقعه ووجد شيئًا مختلفًا في الروضة؛ فإنه ينزعج، ويشعر بالإحباط، وتكون بيئة الروضة في هذا المجال مكانًا غير محبب إليه، ولكنه يكون مضطرًا إلى الاستمرار في الذهاب إليها برغبة الوالدين وليس بغربته.

وينعكس سوء توافقه في الروضة على سلوكه اللغوي، فقد تظهر في حديثه بعض صعوبات النطق، وفي مقدمتها التهتهة. والطفل الأقرب للوقوف في هذا الموقف هو الطفل الوحيد أو الطفل الذكر مثلاً وسط مجموعة من الأخوات الإناث، أو هو الطفل الذي تعود على أن يجد معاملة خاصة في المنزل قوامها التدليل والحماية الزائدة والتلبية الفورية لكل طلباته، وهو ما لا يجده في الروضة، فيشعر بالصدمة، ومن ثم يتعرض لصعوبات النطق ومن العوامل المرتبطة بروضة الأطفال والتي تهمنا في هذا المقام أن تتصف المعلمة بالحدة أو الشدة أو بنفاذ الصبر مع الأطفال، أو أن تكون ميالة إلى السخرية والتهكم على الطفل الذي لا يتطابق سلوكه مع معاييرها أو مع ما تطلبه منه. فمثل هذه المعلمة قد تصيب بعض أطفالها – ربما ممن يكونون مهيئين لذلك بالتهتهة.

المصدر:

  • مجلة خطوة العدد 17 سبتمبر 2002
  • أ. د. علاء الدين كفافي - أستاذ الإرشاد النفسي والصحة النفسية - معهد الدراسات والبحوث التربوية، جامعة القاهرة – مصر
erada

شبكة إرادة لذوى الإعاقة

  • Currently 245/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
84 تصويتات / 5327 مشاهدة

ساحة النقاش

shekoom
<p>انا اعرف اخصائي تخاطب للاطفال ماهر جدا هولسه شاب بس قوي جدا لو حد محتاجه لطفله انا هقولكم رقم تلفونه 0111487984</p> <p>&nbsp;</p>

إرادة

erada
شبكة إرادة هي إحدى شبكات كنانة أونلاين المعرفية المتخصصة لذوي الإعاقة بما يحقق لهم ولذويهم اكتساب خبرات معرفية ومهارات عملية وسلوكية عن طريق استخدام أدوات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

4,771,865