تعتبر حالة الترجيع المعدي للمريء (Gastroesophageal Reflux)، والتي سوف نرمز إليها بالترجيع اختصاراً من أكثر الحالات شيوعا عند الأطفال بشكل عام، ويعرّف الترجيع على انه تحرك وانتقال محتويات للمعدة (الصلبة أو السائلة) إلى المريء، ويؤدي في العادةً إلى ترجيع بعض ما شربة أو أكلة وفي الحالات الشديدة تؤدي إلى التّقيّؤ .
بينما تكون حالات الترجيع الخفيفة شائعة جدا عند الأطفال حديثي الولادة وقد تعتبر من الأشياء الطبيعية، تصبح الحالة مرضية عندما تصل الحالة إلى مضايقه للطفل أو عندما تؤدي ضعف في النمو ومضاعفات على صحة الطفل مثل التهاب الرّئويّ و الالتهاب المرئي.
إن السبب التحقيقي وراء ترجيع الغذاء من المعدة إلى المريء هو العادة ضعف في الصمام الموجود في فوهة المعدة والذي يتصل بالمريء (نتيجة لانخفاض التوتر العضلي لذلك الصمام والذي يعتبر عن عضلة ضاغطة ومحيطة بالفوهة).
العامل المساهم الآخر في الترجيع هو كمية الطعام الموجود في المعدة و سرعة تفريغ المعدة لمحتوياتها في الأمعاء الدّقيقة.فكل ما صغرت المعدة وبطئ تفريغ المعدة كلما زادت فرصة الترجيع المعدي للمريء .
ليس معروفا إذا ما كانت حالات الترجيع أكثر شيوع عند الأطفال متلازمة داون مقارنتا بسائر الأطفال، و لا يوجد غير دراسة واحدة فقط . لكنه نظريا فانه من المحتمل أن يعاني نسبه أكثر من أطفال متلازمة داون من الترجيع لوجد رخاوة عامة في عضلاتهم قد يسبب ضعف وارتخاء في العضلة التي على فوهة المعدة(الصمام).
الأعراض:
إن أهم الأعراض هي ترجيع الطعام(السائلة كالحليب أو حتى الصلبة كوجبات الطعام المعتادة) و التقيؤ.طبعا ليس غريبا أن يرجع أو حتى يتقيأ الطفل العادي بين فتره وأخرى،ولكن الأطفال الذي لديهم ترجيع معدي للمريء إنهم تقريبا يرجعون أو يتقيئون بعد كل رضعه أو وجبة غذائية. الفرق بين الترجيع و التّقيّؤ هو قوّة الدفع إلى أعلى : فالتّقيّؤ أكثر قوّة ,فقد يدفع الطعام خارج فم الطفل إلى الأمام ،بينما الترجيع الخفيف يخرج الطعم أو الحليب من أحد زوايا الفم ولا يصحبه قوة دف شديدة. معظم الأطفال( 85 % )الذين لديهم ترجيع معدي للمريء تبدأ عندهم الأعراض خلال الأسبوع الأول من العمر و 10% خلال الست أسابيع الأولى.
بعض الأطفال الذين لديهم ترجيع معدي للمريء قد لا يتقيأ ولا يخرج بعض الطعام أو الحليب خارج الفم لان الطفل قد يبلع ما رجع من الأكل فلا يخرج شيء خاصة إذا كان قليلا.وقت تكون الأعراض الظاهرة فقط حركات بلع متكررة وقد يصحبها ميلان أو لف للرأس أو تكشيره في الوجه أو شرقه بعد الرضاعة أو تناول الطعام .كما قد تكون الأعراض فقط أعراض إصابة في الجهاز التنفسي. فمن أحد اسبب انقطاع أو تقطع النفس(توقف النفس لبرهة) للمواليد هو الترجيع المعدي للمريء وفي بعض الأحيان تكون الأعراض على شكل شرقه متكررة أو كحة مزمنة أو التهابات رئوية متعددة.
وبما أن العصارة المعدية شديدة الحموضة فان دخولها للمريء عند الترجيع قد يصحبه ألم في الجزء السفلي من منتصف الصدر، وقد يظهر على الأطفال على شكل بكاء متكرر وعدم ارتياح وقلق قد يحتار معه الأهل، وقد يكون الترجيع المعدي للمريء هي أحد أسباب البكاء المتكرر للأطفال الرضع.
التشخيص:
غالبًا التشخيص يكون واضح نوعًا ما .و للحالات الأقل واضح، فالوسيلة المعتادة للتشخيص هي بأخذ عدة صور بالأشعة السينية (الأشعة المعتادة) خلال رضاعة الطفل أو شربة بعد أن يضاف للحليب مادة الباريوم والتي تساعد على توضيح ما إذا كان هناك ترجيع أم لا؛ فإذا رأى أخصائي الأشعة رجوع لصبغة الباريوم فان ذلك مؤشر على وجود ترجيع معدي للمريء.ولكن بما أن حالات الترجيع في العادة تأتى على شكل متقطع و في أوقات مختلفة من اليوم، فإن عدم وجود ترجيع بصبغة الباريوم لا ينفي عدم وجودة تماما، بل انه ليس من المستغرب على المستوى الطبي أن تكون النتيجة سليمة عند بعض الأطفال.
الطريقة الثانية للتشخيص يكون عن طريق إعطاء الطفل مادة التكنيتوم (مادة نووية) بنسبه قليلة جدا وعمل صور متكررة على مدى يوم أو أكثر ويسمى هذا الفحص بأشعة شربة الحليب (Milk Scan) ويسمح هذا الفحص بملاحظة ترجيع المعدة لمدة أطول كما أن كمية الأشعة التي يتعرض لها الطفل اقل من أشعة صبغة الباريوم.
الطريقة الثالثة للتشخيص، وهي أكثر تعقيدا وليست متوفر في كل المراكز الطبية، باستخدام كبسولة استشعار للحموضة بعد إدخالها إلى المريء عن طريق سلك نحيف جداً ثم القيام بقياس حموضة المريء على مدى 8 – 24 ساعة ثم يقام بمراجعة القراءات التي آخذها الجهاز ومن ثم معرفة إذا عدد المرات التي ارتفعت فيها حموضة المريء والتي تعكس عدد مرات الترجيع المعدي للمريء.
في الحالات الأكثر صعوبة يمكن إجراء فحص بمنظار الجهاز الهضمي، ويسمح هذا الفحص لرواية إذا ما كان هناك تقرحات أو التهابات للمريء من جراء الترجيع المتكرر، ويسمح الفحص بالمنظار أخذ عينة نسيجه من المريء إذا لزم الأمر.
هناك أسباب أخرى لتقيؤ الطفل غير الترجيع المعدي للمريء لذلك قد يقوم الطبيب بفحوصات أخرى لتأكد منها،كمشاكل التمثيل الغذائي الوراثية والالتهابات المختلفة خاصة في الجهاز البولي.
العلاج:
الخطّ الأوّل لعلاج هو تبديل وتغيير أوضاع الطفل التي يكون فيها خاصة بعد الرضاعة و تعديل في نوع غذاء الطفل.يفضل رفع الرأس فوق مستوًى المعدة لكل الأطفال الذين لديهم ترجيع متكرر، كان الوضع الموصى به في الثمانينات ميلادية أن يوضع الطفل على بطنه على أن يكون رأسه أعلى من معدته، ولكن لوحظ أن هذه الوضعية لها علاقة بزيادة الموت المفاجأ والمسماة بوفاة المهد، لذلك فالوضع الموصى به الآن هو أن ينام الطفل على جنبه ووضع فراش الطفل مرتفعا بزاوية 30 درجة تقريبا ليكون الرأس في مستوى أعلى من المعدة، ومع ذلك لا يضير أن يوضع الطفل على بطنه إذا لم يكن نائم أو والدية حوله.
كما ينصح بزيادة كثافة الحليب أو الأكل الذي يتغذى علية الطفل لجعله أصعب على المعدة في ترجيع مكوناتها إلى أعلى. ويمكن القيام بذلك عن طريق أضافه بودرة الأرز المطحون(كالسيريلاك) أو الحبوب المطحونة الأخرى أو مادة النشاء (الذرة المطحونة). يبدأ في إضافة ملعقة واحدة لكل 30 مل من الحليب .ثم تُزاد هذه الكمية تدريجيا إلى أن تقل عدد مرات الترجيع والتقيؤ.وتفيد هذه الطريقة في زيادة السعرات الحرارية التي يتناولها الطفل إضافة إلى تقليل عدد مرات أو كمية الطعام الذي يرجع من المعدة .كما انه من الجدير بالذكر أن بعض شركات الحليب الصناعي بدأت تصنع ببعض أنواع الحليب الذي يفيد في تقليل الترجيع للذين لديهم ترجيع بين المعدة و المريء.
إذا لم تنفع اطرق السابقة في تقليل مرات أو كمية الترجيع يمكن اللجوء إلى بعض العقاقير والتي تساعد على تقوية عضلة التي على فوهة المعدة( الصمام الذي بين المريء والمعدة) وزيادة سرعة تفريغ المعدة لعصارتها للإثنى عشر .
أشهر هذه العقاقير هو الميتوكلوبرمايد (Metoclopremide) و السيسبرايد(Cisapride) و الدومبيريدمن (Domperidone).عقار السيسبرايد سحبته الشركة الدوائية المصنعة له في شهر مارس من عام 2000 م لأسباب تتعلق علي تأثيره على نبضات القلب، وقد يكون العقار الأخير دومبيريدون هو الأنسب في الوقت الحالي لوجود بعض الأعراض الجانبية غير المرغوب فيها لعقار الميتوكلوبرمايد .
وفي الحالات الشديدة يمكن استخدام العقاقير المخفضة لحموضة المعدة، لكي تقلل من شدة المادة الحمضية فيقل الإحساس بالألم والحرقة عندما ترتفع عصارة المعدة إلى المريء.ويمكن فقط استخدام محلول المادة القلوية المعروفة بمضاد الحموضة (Antacid) أو العقاقير الأقوى مفعولا كالسيميتدين (Cimetidine,Tagamet) أو الرانيتدين (Ranitidine,Zantac) أو اومبيرزون (Omeprazole,Losec)، ويمكن إعطاء هذه العقاقير مع العقاقير الأخرى كالدومبيريدون.
أما إذا ما نفعت الإجراءات الطبية والعلاج بالعقاقير من الحد من شدة الترجيع والتقيؤ فيمكن استعمال الجراحة، كما ينصح بالتدخل الجراحي إذا أثرت كثرة الترجيع على نمو الطفل ولم يزداد وزنه بالشكل المطلوب، أو صاحبة التهابات متعددة لصدر نتيجة التقيؤ وانتكاس الحليب إلى مجرى التنفس.
كما تجرى هذه العملية كأجراء احتياطي عند وضع أنبوب لتغذية عن طريق المعدة مباشرة، الهدف من العملية هو منع رجوع العصارة المعدية إلى المريء وأشهر العمليات التي تقام هي ما يسمى برتق فوهة المعدة (Fundoplication) ونسبة نجاح العملية تصل إلى 90%.
المصدر: http://sn.kenanaonline.com/
ساحة النقاش